- تأخر نزول المطر. 2- افتقار الخلق إلى الله تعالى. 3- الحكمة من الخلق. 4- شؤم المعاصي. 5- أهمية التوبة. 6- الرغبة إلى الله تعالى. 7- أهمية عنصر الماء. 8- شكر النعم. 9- دعاء.
الخطبة الأولى
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد. لا إله إلا الله ذو العرش المجيد، لا إله إلا الله فعَّالٌ لما يُريد، لا إله إلا الله المرجُوّ لكشف كل كربٍ شديد.
الحمد لله ربِّ العالمين، الرَّحمن الرَّحيم، مالِك يومِ الدِّين، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له الرزَّاق ذو القوَّة المتين، وأشهَد أنَّ نبيَّنا وسيِّدنا محمَّدًا عبده ورسوله الصَّادقُ الوعدِ الأمين، اللَّهمّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: أيُّها الناس، إنَّكم شَكوتم إلى ربِّكم جَدْب دِياركم، واستئخار المطرِ عن إبَّان زمانِه عنكم، وقد أمَرَكم الله تبارك وتعالى بِدُعائه، ووعدَكم الاستجابةَ علَى الدّعاء، فقال تبارك وتعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60]، وقالَ تَبارَكَ وتَعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186].
أيُّها الناس، إنَّ كلَّ مخلوقٍ مُفتقِرٌ إلى ربِّه تبارك وتعالى، يُعطيهِ مَصَالحَه، ويَدفَعُ عنه ما يَضُرُّه، ويُعطِيه تبارك وتعالى ما فِيهِ الخيرُ له، ويمِدُّه ويُعينه، وإنَّ ربَّنا تبارك وتعالى قَائمٌ على كلِّ نفسٍ بما كَسَبَت، هوَ الخلاَّق، وهو الرزَّاقُ ذو القوة المتين.
وقد خَلَقنا الله عزّ وجلّ لِعبادتِه، فقال عزّ وجلّ: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، وإنّه تبارك وتعالى تكفَّل بأرزاقنا، وتكفَّل برزق كلِّ مخلوقٍ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود: 6].
وإنَّ الله تَبارَك وتعالى أمَرَكم بأوامِر ونهاكم عن نواهي، فكونوا عندَ أمر الله، قوموا به يا عباد الله، واجتنبوا نهيَ الله عز وجل، فإنّه لا يتقرَّبُ أحدٌ إلى الله إلا بأمرِه بامتثالِه والاجتنابِ عن نهيِه؛ فإنه عزّ وجلّ غنيٌّ عنكم، لا تَنفَعُه طاعة الطائعين، ولا تضُرُّه مَعصِيةُ العاصين، وإنما هي أعمالُ العبادِ، يُحصيها لهم، ثم يُعطيهم أجرَها في الدنيا وفي الآخرة، قال الله تعالى في الحديثِ القدسيّ: ((يا عبادي، إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثم أُوفِّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمَدِ الله، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلُومنَّ إلا نفسَه)).
وإنه ما مِن مُصيبةٍ وما مِن نازِلةٍ وما مِن شدَّة إلا بسبَبِ الذنوب، وإنه ما مِن خير في الدنيا والآخرة إلا بسَبَب الطاعات، قال الله تبارك وتعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]، وقال تبارك وتعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41].
فأنتم فُقراءُ إلى الله أيّها الناس، قال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر: 15-17].
فيا عبادَ الله، ارغَبُوا إلى الله فيما يَنفعُكم وما يُصلِحُ أحوالَكم في الدنيا والآخرة، فإنَّ بِيَدِ الله ملكوتَ كلِّ شيءٍ، وإنّه على كلِّ شيء قديرٌ.
وإنَّ من أسباب نزول الغيث التوبةَ إلى الله عزّ وجلّ، والخروجَ من المظالم، والرغبة فيما عند الله عز وجلّ؛ فإنه ما رغِبَ أحدٌ إلى الله وظنَّ بِه خَيرًا إلا وآتاه الله عزّ وجلّ ما أمَّل، واستَجاب الله دعاءَه، فمن استجابَ لله استجاب الله له.
فيا أيُّها الناس، اسألوا اللهَ حوائجَكم في الدّنيا والآخِرة؛ فإنَّ أقلَّ نعمةٍ، وليس مِن نِعَمِ الله صغير، وليس من نِعَم الله قليل، إنّ أقلَّ نعمةٍ إذا لم يُهيِّئِ اللهُ أسبابَها ويُيسِّرها إلى العباد ويسوقها إليهم فإنهم لا يستطيعون أن يأتوا بشيءٍ من ذلك، ولا أن يجلِبوا لأنفسِهِم خيرًا، ولا أن يَدفَعوا عن أنفسهم شرًّا، قال تبارك وتعالى عن نبيِّه عليه الصلاة والسلام: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188].
إنَّ هذا الغيثَ، إنّ هذا المطرّ، إنَّ الماءَ هو عنصرُ الحياةِ، ولا بقاء لمخلوقٍ في هذه الدنيا إلا بوجودِ هذا الماءِ، وهذا الماءُ وهذا الغيثُ الذي يُنزِلُه الله عزّ وجلّ لا يقدِرُ عليه إلا ربُّ العالمين، فالعبادُ مُفتقِرون إلى الله في كلِّ شيء، مُفتقِرون إلى اللهِ في أصلِ خِلقتهم، مُفتقِرون إلى الله تبارك وتعالى في منافِعِهِم، وفي بقاءِ أسبابِ حياتهم، وفي النِّعم التي يسوقها الله إليهم، وفي دفع النِّقَم.
فيا عبادَ الله، أَرُوا اللهَ من أنفسِكم خيرًا؛ فإنَّ أسبابَ العقوبةِ قد انعَقَدت، ولا يدفَع الله عزّ وجلّ العقوباتِ إلا بالتوبةِ إلى اللهِ عزّ وجلّ، وقد مدَحَ الله تبارك وتعالى المُتضرِّعين، ومدح السائلين الذين يَسأَلونه؛ فإنَّ الله تبارك وتعالى يحبُّ من عِبادِه أن يسألوه، ويغضَبُ على العبادِ إذا لم يسألوه.
وإنَّ المعاصي -يا عباد الله- سبب كلِّ شُؤم، وسبب كلِّ ضُرّ، وسبب كلِّ مصيبةٍ ونازلة، والله تبارك وتعالى ذمَّ الذين تنزل بهم المصائبُ والشّدائِد ثم لا يتضرَّعون إلى اللهِ، قال تبارك وتعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ [المؤمنون: 76].
فأحدِثوا -يا عبادَ الله- للمعاصي توبةً؛ فإنَّ التوبةَ مِن أحبِّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ، وإنَّ ربَّكم تبارك وتعالى قد أنعَمَ عليكم بنعمٍ لا تُعدُّ ولا تُحصَى، قال عز وجلّ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل: 18].
فتفكَّروا في نِعَم الله، واسألوا أنفسكم: هل قمتم بشُكر نِعَم الله عليكم؟ فإن قمتم بذلك فسَيَزيدكم الله عزّ وجلّ، ومن أعرض عن شكرِ نِعَم الله فإن الله تبارك وتعالى لا يخفى عليه أمرُه، وسيُعذِّبه في الدنيا والآخرة، قال تبارك وتعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم: 7]، وفي الحديث: ((لولا شيوخٌ رُكَّع وبهائمُ رُتَّع وأطفالٌ رُضَّع لصَبَّ الله علَيكُم العذابَ)).
فيا أيُّها الناس، إنَّ الله تبارك وتعالى خلَقَ الإنسان، وخلقه مُعرَّضًا للخَطِيئة، ومُعرَّضًا للغَفلَة، ومُعرَّضًا للنِّسيانِ، ولكنَّ الله أمره بالتوبة، وأمره أن يستكثِر من الحسنات؛ فإنَّ الحسناتِ يُذهِبن السيِّئاتِ، وفي الحديث عن النبيِّ كما جاء في "صحيح مسلم": ((والذي نفسي بيَدهِ، لو لم تُذنِبوا لذَهَب الله تعالى بِكم، ولجاء بقَومٍ يستغفرون اللهَ فيَغفِر لهم))، وقال الله تعالى في الأثَرِ: ((إني والإنس في نبأٍ عظيمٍ؛ أخلُقُ ويُعبَد غيري، وأرزقُ ويُشكَر سِوايَ، خيري إليهِم نازلٌ، وشرُّهم إليَّ صاعد)).
فيا أيُّها الناس، عدِّدوا نعمَ الله، وتذكَّروا نعمَ الله عليكم، وليستحيِ المسلمُ مِن ربِّه، لا يراه على المعصِيَة، وتوبوا إلى الله تبارَك وتعالى، واعلَموا أنَّ مِن أعظم الأسباب لنزولِ الغيث هو أداء الزكاة، والإحسانُ إلى الفقراء والمحتاجين، وكثرةُ الاستغفار.
فاستَغفِروا اللهَ تبارك وتعالى، فقد الله تبارك وتعالى عن نوحٍ عليه الصلاة والسلام: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح: 10-12]. فاستَغفِروا الله تبارك وتعالى كثيرًا، واعلَموا بأنَّكم في هذه الدنيا لآجالٍ محدودَةٍ، تُنقَلون بعدها إلى الله، وسَيقدُمُ العبدُ على عمَلَه، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشر.
فتوبوا إلى الله أيّها المسلمون، توبوا إلى الله عز وجلّ، واحذروا الشيطان فإنّه يدعُو إلى كلِّ شرٍّ ويدعو إلى كل معصية، وإنّه ينهى عن كلِّ طاعة ويُثبِّط عنها، فكونوا مع الله عزّ وجلّ يكُن اللهُ لكم، والله تبارك وتعالى أصدقُ القائلين، وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة: 111]، لا أصدَق من الله، ولا أوفى منَ الله عز وجل؛ فمن أقبل عليه بقلبه فإنَّ الله تبارك وتعالى يُقبِلُ عليه بكل خير.
اللّهمّ إنّا نستغفرك ونتوب إليك، اللهم اغفِر لنا ذنوبنا، اللّهمّ اغفر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا يا ربَّ العالمين، اللّهمّ أصلِح أحوالنا وأحوالَ المسلمين، اللّهمّ احفظ المسلمين يا ربَّ العالمين في كلِّ مكان يا أرحمَ الراحمين، اللّهمّ تُب علينا وعلى المسلمين.
اللّهمّ أنت الله لا إله إلا أنت، ربُّنا وربُّ كلِّ شيء، أنت ربُّ العالمين وإليك المصير، لا يأتي بالخيرات إلا أنت، ولا يدفَع السيِّئات إلا أنت، ولا يغفر الذنوبَ إلا أنت، فاغفر لنا يا أرحم الراحمين.
اللّهمّ لا ترُدَّنا خائبين، اللّهمّ لا ترُدَّنا خائِبين، ولا تجعَلنا قنِطين يا ربَّ العالمين مِن رحمتِك.
اللّهمّ أغِثنا، اللّهمّ أغِثنا، اللّهمّ أغِثنا، اللّهمّ إنّا نسألك يا ذا الجلال والإكرام يا أرحمَ الراحمين يا رحمن الدنيا والآخرة أنت على كلِّ شيءٍ قدير، رؤوفٌ رحيمٌ، اللّهمّ أغِثنا غيثًا مُغيثًا هنيئًا مريئًا نافعًا غيرَ ضارٍّ يا ربَّ العالمين.
اللّهمّ أحيِ بلادَك، اللّهمّ أحيِ بلادَك، اللّهمّ أسقِ بهائمك، اللّهمّ أسقِ خلقَك يا ربَّ العالمين، فإنّه لا غنى بنا عنك وعن رحمتك يا أرحمَ الراحمين.
اللّهمّ غيثًا نافعًا، اللّهمّ غيثًا عاجلاً غيرَ آجِل، اللّهمّ نافعًا غير ضارّ، اللّهمّ سُقيا رحمة لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرَق، اللّهمّ أغِثنا يا ربَّ العالمين غيثًا تُمتِّعُ به البلادَ والعبادَ، إنك على كلِّ شيء قدير.
مدَدنا إليك أيديَنا، واتجهت إليك قلوبُنا، فلا ترُدَّنا يا ربَّ العالمين إلا باستِجابةٍ منك، فأنت ذو الطول وذو المغفرةِ يا أرحم الراحمين.
اللّهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيمَ، إنّك حميدٌ مجيدٌ، اللّهمّ بارِك على محمّد وعلى آل محمّد، كما بارَكت على إبراهيم وعلى آل إبراهيمَ، إنّك حميدٌ مجيدٌ، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
عبادَ الله، ألِحُّوا في الدّعاء عَلى ربِّكم، فإنه يحبّ السَّائلين، ويحبّ إلحاحَ المُلِحِّين، فإنّه غنيٌّ حميدٌ كريم، سريع الاستجابةِ، لا إله إلا هو، سميع الدعاء، واقلِبوا لباسَكم تأسِّيًا برسول الله .